شركات التكنولوجيا الكبرى تتطلع إلى الفضاء لمواجهة أزمة الطاقة في سباق الذكاء الاصطناعي
في ظل المنافسة الشرسة على تطوير الذكاء الاصطناعي، تتجه شركات التكنولوجيا العملاقة نحو أفكار طموحة تفوق التصور، حيث يناقش كبار المستثمرين الأمريكيين بجدية بناء مراكز بيانات في الفضاء الخارجي، بما في ذلك سطح القمر، لتوليد القدرة الحاسوبية الهائلة اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تستهلكاً للطاقة. هذا ما يبرزه تقرير موسع نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، مشيراً إلى أن الحماسة المحيطة بهذا المجال بلغت حد التفكير في استغلال القمر كمنصة رئيسية لتشغيل منشآت حاسوبية ضخمة.
ووفقاً للتقرير، يرى جيف بيزوس، مؤسس شركتي "أمازون" و"بلو أوريجن"، في القمر "هبة من الكون"، معتبراً أنه يمثل حلاً مستقبلياً للطاقة الهائلة التي تستهلكها أنظمة الذكاء الاصطناعي. يأتي ذلك مع جهود شركته وشركة "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك لخفض تكاليف الإطلاق إلى الفضاء، مما يجعل الوصول إلى المدار جزءاً من العمليات الاقتصادية اليومية. كشفت جريدة تارودانت بريس الإخبارية، في تحليلها للتقرير، أن هذه الرؤى تتجاوز الخيال العلمي لتصبح واقعاً محتملاً، خاصة مع الضغوط المتزايدة على شبكات الكهرباء في الولايات المتحدة، حيث أدى تصاعد استهلاك الطاقة بسبب مشاريع الذكاء الاصطناعي إلى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "حالة طوارئ طاقوية".
ورغم أن الجدوى الاقتصادية لمراكز البيانات الفضائية تبدو بعيدة حالياً، يقدر محللون مثل فيل ميتزغر، الباحث في جامعة فلوريدا الوسطى والموظف السابق في وكالة "ناسا"، أن هذا السيناريو قد يصبح قابلاً للتحقيق خلال عقد واحد فقط. ويؤكد التقرير أن شركات التكنولوجيا تتوقع نقصاً كبيراً في الإمدادات الطاقوية خلال السنوات المقبلة، مما يدفعها إلى حلول مؤقتة مثل استخدام xAI التابعة لماسك توربينات غازية كمصادر طاقة بديلة، بينما تضغط "أوبن إيه آي" على الحكومة الأمريكية لتوليد ما يصل إلى 100 غيغاواط سنوياً من الطاقة الجديدة – رقم يعادل تقريباً نصف إنتاج سد هوفر الشهير.
تستند هذه الفكرة الأساسية إلى استغلال الطاقة الشمسية في الفضاء، حيث لا توجد سحب أو ليالٍ، مما يوفر كفاءة أعلى بكثير من الأرض، إضافة إلى ظروف تبريد أفضل في الفراغ الكوني. كما يتجاوز بناء المنشآت في الفضاء القيود التنظيمية المفروضة على الشركات داخل الولايات المتحدة وخارجها، مما يسرع تطوير البنى التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وتكشف الصحيفة عن مشاركة "غوغل" في هذا المجال عبر مشروع "صن كاتشر"، الذي يهدف إلى إطلاق قمرين اصطناعيين تجريبيين بحلول عام 2027 لاختبار تقنيات الحوسبة في المدار. كذلك، أعلنت "نفيديا" شراكة مع الشركة الناشئة "ستار كلاود" لاستكشاف إنشاء مراكز بيانات خارج الغلاف الجوي، بينما يقترح ماسك نشراً لأجيال جديدة من أقمار "ستارلينك" تعمل بالطاقة الشمسية ومزودة بليزر عالي السرعة لبناء شبكة مراكز بيانات فضائية.
وفي تصريحاته الأخيرة أمام مستثمرين، أكد ماسك أن هذه الأقمار قادرة على توليد نحو 100 غيغاواط سنوياً من الطاقة الشمسية، أي ربع متوسط استهلاك الولايات المتحدة من الكهرباء سنوياً، مشيراً إلى أن شركته تمتلك "خطة شاملة" لتحقيق ذلك، بما في ذلك إنشاء قواعد تصنيع على سطح القمر تنتج ما يصل إلى 100 تيراواط عبر أقمار اصطناعية تُطلق بواسطة منصات دفع كهرومغناطيسية. يعترف التقرير بأن هذه الأفكار لا تزال أقرب إلى الخيال الهندسي من المشاريع الفورية، لكنه يذكر بأن تحذيرات ماسك السابقة بشأن أزمة الطاقة أصبحت اليوم واقعاً، مع اتساع الفجوة بين الطاقة المطلوبة وقدرة الشبكات الحالية. ويختتم التقرير بالتأكيد على أن حدود الممكن في هذا القطاع تتغير بسرعة، وأن التفكير في استخدام القمر لتشغيل مراكز بيانات ليس نزوة، بل انعكاس لتحديات سباق الذكاء الاصطناعي على البنى التحتية العالمية.
