لم يكن تأهل المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة إلى نهائي كأس العالم في تشيلي مجرّد انتصار رياضي، بل حدثًا عابرًا للحدود، حمل في طياته أبعادًا إنسانية وثقافية وسياسية عميقة. فعندما تفوّق أشبال الأطلس على المنتخب الفرنسي بركلات الترجيح (5-4) بعد تعادل مثير (1-1)، لم يكن الفرح مغربيًا خالصًا، بل امتد صداه إلى الضفة الأخرى من شمال إفريقيا، وتحديدًا إلى منطقة القبائل بالجزائر، حيث ارتفعت الهتافات احتفاءً بإنجاز “الأشقاء الأمازيغ”.
فقد عجّت منصات التواصل الاجتماعي بعبارات التهاني والدعم، مرفقة بالعلمين المغربي والقبائلي جنبًا إلى جنب، في مشهد رمزي يؤكد عمق الروابط الثقافية والهوياتية بين أبناء الفضاء الأمازيغي. وكتب أحد الناشطين من تيزي وزو: “اليوم كلنا مغاربة… لأننا جميعًا أمازيغ، نحمل نفس الحلم ونرفع نفس الراية.”
هذا التفاعل القوي لم يكن وليد لحظة عاطفية عابرة، بل انعكاسًا لرؤية متراكمة لدى جزء واسع من المجتمع القبائلي، الذي يرى في المغرب نموذجًا لاحترام الهوية الأمازيغية، بعد أن رسّخها في الدستور، واعتمد اللغة الأمازيغية لغةً رسمية، وفتح أمامها فضاءات ثقافية ومؤسساتية.
لقد تحوّل إنجاز المنتخب المغربي إلى ما يشبه الإعلان الرمزي عن “تامازغا الكبرى”، تلك الفكرة الثقافية التي تجمع شعوب شمال إفريقيا في إطار الهوية المشتركة، بعيدًا عن الحدود السياسية والتوترات الإقليمية. فالحدث تجاوز المستطيل الأخضر، ليصبح رسالة وحدة، تقول إن كرة القدم قادرة أحيانًا على تحقيق ما تعجز عنه السياسة.
وفي الوقت الذي يرسّخ فيه المغرب مكانته كقوة صاعدة إفريقيًا ودوليًا، كانت القلوب في منطقة القبائل تلوّح بعلم غير مرسوم على الخرائط، بل محفور في الذاكرة الجمعية لشعوب تبحث عن الأمل والكرامة. وهكذا، لم يكن انتصار أشبال الأطلس مجرد تأهل تاريخي، بل لحظة استيقظت فيها الروابط الأمازيغية من عمق التاريخ، لتؤكّد أن الفخر يمكن أن يكون مشتركًا، حتى وإن فرّقت الجغرافيا بين الأجساد.
