تأييد سانشيز تكريس الطابع الأوروبي لمليلية يسائل متانة الشراكة مع الرباط
في رسالة موقَّعة باسمه، لم يُخف بيدرو سانشيز تأييد حكومته الصريح طلب انضمام مليلية إلى “لجنة الجهات والمناطق” التابعة للاتحاد الأوروبي، الذي تقدم به إدواردو دي كاسترو كونزاليس، المسؤول الأول عن المدينة المحتلة، منتصف فبراير 2023، بهدف “تعميق الشخصية الأوروبية لمليلية”.
وفي ظل عدم إشارة الإعلان المشترك الموقع أخيراً بين المغرب وإسبانيا بشكل صريح أو محدد إلى نقطة الحدود أو الجمارك بين البلدين، يتساءل مراقبون ومتابعون للشأن الإسباني عن “مدى التأثير الذي قد يُحدثه هذا الدعم المركزي لمدريد على مسار تحسّن العلاقات بين البلدين”.
فحوى الرسالة
كتَب سانشيز، في رسالته المؤرخة في 6 مارس الجاري، : “أؤكد لكم أن الحكومة (الإسبانية) تُشارككم وتشجعكم على مصلحة مليلية في تحقيق مشاركة وانخراط أكبر في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. يجب أن يؤدي هذا الوجود المعزَّز للمدينة المتمتّعة بالحكم الذاتي في بروكسل ليس فقط إلى استخدام أفضل من قِبل مليلية لمزايا الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن -أيضاً- في معرفة أفضل لمؤسسات المجتمع نفسها بواقع وخصائص كِلتا المدينتين المستقلتيْن”.
وتابع رئيس حكومة مدريد: “افتتاح المكاتب المستقبلية في المندوبية الدائمة لإسبانيا لدى الاتحاد الأوروبي جارٍ؛ ومع الزيارة الرسمية إلى بروكسل العام الماضي مع رئيس سبتة فإن هذا الملف يتشكل…”، معلناً “تقديم حكومة إسبانيا دعمَها وعملها على ضمان أن تصبح هذه الإمكانية حقيقة واقعية في أقرب وقت ممكن”.
وخلصت الرسالة في متنها: “نشاركك أيضًا رؤيتك بأنه سيكون من الإيجابي تحقيق التوافق المؤسسي الذي من شأنه أن يسمح بمشاركة أكثر فاعلية في لجنة مناطق كلتا المدينتين … يجب أن نتذكر أن الولاية الحالية للجنة الأقاليم الأوروبية تنتهي عام 2025، وهو الأفق بالنسبة لنا لإيجاد حل”.
سياقات
خبير في العلاقات المغربية الإسبانية تحدث لـ هسبريس شارحاً أن “ما أقدم عليه سانشيز يعد خطوة رسمية قد تُغضب المملكة المغربية التي شهدت علاقاتها الثنائية مع مدريد تحسناً كبيرا منذ توضيح الموقف الإسباني الداعم لمغربية الصحراء”.
ووضع المتابع ذاته (فضّل عدم الكشف عن هويته) الرسالة المذكورة في “خضمّ السياق السياسي الداخلي الإسباني الذي تستخدم فيه التيارات الحزبية اليمينية ملف سبتة ومليلية لإحراج الحكومة اليسارية”، لافتا إلى “محاولة سانشيز بكل الطرق إظهار دعمِه للمدينتيْن؛ وهو ما يبرزه في هذه الرسالة مع نزع فتيل المشكلة من يد اليمين”.
“يحاول رئيس السلطة التنفيذية الإسبانية أن تستفيد المدينتان من دعم الاتحاد الأوروبي باعتبارهِما جزءا من محيطه لتلقي مساعدات مالية أوروبية؛ وألاّ تبقيا رهينة المالية العمومية وعبئاً عليها”، يورد المصدر ذاته.
أما سياسياً فإن خبراء الشأن الإسباني يرون في “إبراز دعم طلب عمدة الثغر المحتل تأكيداً على أنه جزء لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي (أوْرَبَة المدينة)، مع إخراجه من دائرة المطالب التاريخية المغربية، وتَسْييجه بقوانين الاتحاد الأوروبي لتمثل جزءاً من السيادة الأوروبية”.
“الشراكة لا تعني طيّ الخلافات”
من جهته، اعتبر إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي وتدبير الأزمات، أن “مسار العلاقات المغربية الإسبانية قد تجاوز فعلياً في الأشهر الأخيرة مرحلة الأزمة، ليسود نوع من الثقة يثمن ويعزز المكتسبات المحققة على مستويات اقتصادية وإستراتيجية وسياسية”، مؤكدا أنه “تجسيد واضح لمنطق القرب الجغرافي بين المملكتيْن، ما يجعلهما في حاجة إلى تعاون وتنسيق بالنظر إلى أولويات وتحديات مشتركة تجمَعهما”.
وأشار لكريني، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “تمتين العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد مرهون بطرح القضايا الخلافية المشتركة للنقاش في جو من الحوار البناء، بعيدا عن هكذا سلوكٍ من شأنه أن يشوّش على أجواء الثقة التي تراكمت خلال الآونة الأخيرة”، متوقعاً “تدخل السلطات الإسبانية مركزياً للحد من إمكانية إثارة الإشكالات وخلط الأوراق التي تثير حفيظة المغرب”.
“التطور الذي حدث في الآونة الأخيرة لا يعني طيّ كل الخلافات، التي يظل جزء كبير منها من ترسُّبات الماضي”، يؤكد الخبير في إدارة الأزمات الدولية، موردا في هذا الصدد أنها “تُلقي بنوع من الثقل على علاقات البلدين؛ وأبرزُها ترسيم الحدود البحرية، وقضية سبتة ومليلية المحتلتين والجزر المغربية الأخرى”.
“كما أن التطور الإيجابي نفسه لا يعني كذلك تخلي المغرب عن هذه القضايا، وأنه ضحّى بها، إذ يؤكد أنه على أعلى مستويات القرار من خلال إشارات رسمية عديدة إلى أنه متشبث بحقه في استعادة الثغرين المحتلتيْن، مع إشارات رسمية إلى إصرار مغربي، فضلا عن خطابات الفاعلين السياسيين والهيئات المدنية والباحثين الأكاديميين من البلدين”، يورد الأكاديمي نفسه.
وبسط لكريني “الحقوق المغربية التي تؤكدها رابطة الدم واللغة والدين، وأوصال الامتداد الجغرافي والتاريخي ذي الدلالة السياسية…”، خالصا إلى أن “محاولة إسبانيا، هذه المرة، ليست جديدة، عبر إعطاء هذا المشكل طابعاً أوروبياً؛ وهو ما يرفضه المغرب، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمدينتين محتلتَين؛ كما أن إسبانيا واعية بهذا الأمر في ظل وجود أصوات إسبانية داعية إلى حسم هذا الخلاف”.