القدرة الشرائية للمغاربة بين سندان ارتفاع الاسعار وقلة العرض
يواجه المغاربة خلال السنوات القليلة الماضية، أزمة اقتصادية اثرت بشكل كبير على قدرتهم الشرائية ومعيشهم اليومي، بل إنعكس ذلك على إدخار الاسر والتوجه إلى القروض الاستهلاكية بشكل كبير .
وقد شهدت أسعار المواد الأساسية ارتفاعا كبيرا في المغرب، مباشرة بعد جائحة ” كورونا”، وبعدها موجة غضب شعبي وجدت طريقها الى وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالشكاوى من الارتفاع المتزايد للأسعار رغم تبريرات الحكومة، وهو ما دفع جهات نقابية للتلويح بتنظيم احتجاجات خلال الأيام القادمة.
ويرى محللون اقتصاديون، أن الدعوات إلى الاحتجاج تبقى رد فعل طبيعيا أمام الارتفاع الكبير للأسعار وخاصة المواد الأساسية.
وضعية دفعت بأغلب النقابات، الى عقد اجتماعاتها الشهرية لتدارس كيفية التجاوب مع المطالب الاجتماعية، ويعتزم بعضها تنظيم “وقفات احتجاجية أمام البرلمان خلال الاسابيع المقبلة، مقابل تبريرات الحكومة الغير مفهومة شعبيا، خصوصا أن هذا الغليان يصادف شهر رمضان حيت يكثر الاقبال على الاستهلاك.
– المغرب يقرر رفع سعر الفائدة
خلال السنة الماضية، قرر المغرب رفع سعر الفائدة بـ 0,5 نقطة ليبلغ معدل 2,50 في المائة لتحقيق استقرار الأسعار في ظل تضخم قياسي، وفق بنك المغرب.
المغرب كباقي عدد من الدول ، عانا من ارتفاع الأسعار بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وتأثيرات الجائحة، علما أن المملكة تعتمد على الخارج لضمان حاجتها من المحروقات.
– المستهلك المغربي وجشع التجار
خلف ارتفاع الأسعار موجة غضب شعبي، بعد أن تاثرت القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود والفئات الوسطى خصوصا، وجراء ذلك شهد المغرب في الآونة الأخيرة احتجاجات نظمتها نقابات وأحزاب معارضة.
ويرى محللون اقتصاديون أن أسباب ارتفاع الأسعار عديدة ويجب تناولها بموضوعية دون تغليب رأي على رأي آخر”.
و يوضح نفس المحللون أن التقلبات المناخية لعبت دورا كبيرا في موجة الغلاء، كما أن أسباب الغلاء بحسب هؤلاء هو احتكار الوسطاء لسوق الخضر والفواكه وجشعهم في رفع أثمانها وتذرعهم بأن عوامل التضخم هي السبب رغم أن الحكومة دعمت قطاع النقل للحد من تأثير ارتفاع مواد الطاقة.
الوضعية عجلت بعقد اجتماع لوزارة الداخلية، والاقتصاد والمالية والفلاحة والصيد البحري، من أجل البحث عن الإجراءات الضرورية لتلبية طلب السوق وتوفير مخزون كاف من المواد الأساسية إضافة إلى محاربة الممارسات التي تمنع ذلك.
ودقت النقابات ناقوس الخطر، أمام انهيار القدرة الشرائية وعدم الحرص الحكومي على ضبط الأسعار، وتركها مطية للمضاربات التي يظل المستهلك البسيط أكبر المتضررين منها”.
كما أن القطاع الفلاحي قد عانى بشكل كبير، رغم أهميته في الاقتصاد المغربي، من جفاف استثنائي في 2022، ويتوقع أن يتسارع النمو في العام الجاري ليصل إلى معدل 3 في المائة، على افتراض أداء جيد للقطاع الزراعي.
ويعتقد اقتصاديون، أن هناك سوء تدبير من طرف العاملين في القطاع الفلاحي، إذ تم تغليب تصدير مواد فلاحية مهمة كالطماطم والبرتقال في وقت كانت السوق المحلية تعيش خصاصا حقيقيا”.
ويذهب بعض هؤلاء المحللين أن تصدير المواد الفلاحية ساهم أيضا في موجة الغلاء، وأصبح الإنتاج الفلاحي بالمغرب يخدم في جزء كبير منه الجانب التصديري بأثمان تسويقية مغرية تجعل المنتجين يوجهون الخضر صوب التصدير”.
وتقول الحكومة إنها تدعم الفئات الأولى بالرعاية بإجراءات مثل رفع الحد الأدنى للأجور وتطبيق نظام التأمين الصحي الإجباري على جميع الفئات، لتشمل التغطية 11 مليون مواطن.
– مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير عن الاحتجاج
لجأ الكثير من المغاربة إلى وسال التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم من الارتفاع الكبير في أسعار للمواد الغدائية الأساسية. مما ساهم في انهيار اجتماعي لطبقات واسعة من الشعب المغربي، وهو ما يجعل من الحكومة الحالية مجبرة على خلق حزمة مساعدات مباشرة لفائدة الفئات الهشة والمتضررة.
– 1800درهم هو متوسط مدخول الشهري بالمغرب
قالت المندوبية السامية للتخطيط إن متوسط الدخل الشهري حسب الفرد على الصعيد الوطني يناهز 1793 درهما، ما يعادل 21.515 درهما في السنة.
وذكرت المندوبية، في مذكرة أصدرتها السنتين الماضيتين حول “دخل الأسر.. المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي” ، أن متوسط الدخل الفردي في الوسط الحضري يصل إلى 2083 درهما في الشهر، وحوالي 24.992 درهما في السنة. وفي الوسط القروي، لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 1297 درهما، وفي السنة في حدود حوالي 15.560 درهما.
ويتجلى من معطيات المندوبية أن نصف الأسر المغربية لها دخل شهري متوسط يفوق 5133 درهما، ونصف الأسر في الوسط الحضري يفوق متوسط دخلها يفوق 5609 دراهم، ونصفها في الوسط القروي لديها 4237 درهما.
ويقدر الدخل الإجمالي للأسر المغربية سنويا بحوالي 767 مليارا و142 مليون درهم، وتحوز أسر الوسط الحضري دخلا إجماليا يعادل 2,8 مرات الدخل الإجمالي لنظيراتها في الوسط القروي، أي 565 مليار درهم مقابل 203 مليارات درهم.
وأوضحت المندوبية أنها توصلت إلى هذه النتائج بناء على بحث شمل عينة تتكون من 3290 أسرة موزعة على صعيد التراب الوطني وتمثل جميع الفئات الاجتماعية خلال فترة الحائحة
– الفوارق الكبيرة في الدخل
ذكرت المندوبية أن تحليل تمركز الدخل الفردي حسب مختلف الفئات السوسيو-اقتصادية يظهر أن حصة دخل خمس الأسر الأكثر يسرا على الصعيد الوطني بلغت أكثر من نصف (53,3%) إجمالي دخل الأسر مقابل 5,6 في المائة بالنسبة إلى الخمس الأقل يسرا.
كما تكشف الأرقام أن متوسط الدخل السنوي للفرد يبلغ 57.400 درهم بالنسبة إلى الخمس الأكثر يسرا؛ وهو ما يعادل حوالي 10 مرات (9,6) دخل الخمس الأقل يسرا (6000 درهم). وفي الوسط الحضري، يصل متوسط الدخل السنوي الفردي 65.070 درهما بالنسبة إلى الخمس الأكثر يسراً مقابل 7286 درهما بالنسبة إلى الخمس الأقل يسرا، حيث بلغت الفجوة بين هذين الخمسين 8,9 مرات. وبشكل إجمالي، تبلغ حصة الخمس الأكثر يسرا من إجمالي دخل الأسر 52,1 في المائة مقابل 5,9 في المائة بالنسبة إلى الخمس الأقل يسرا.
ويعيش العشر الأكثر فقرا من الأسر المغربية بدخل فردي سنوي لا يتجاوز 6270 درهما؛ في حين يصل الحد الأدنى للدخل بالنسبة إلى العشر الأكثر يسرا حوالي 41.705 دراهم، كما يحوز العشر الأكثر يسرا 37.8 في المائة من إجمالي دخل الأسر مقابل 2,2 في المائة بالنسبة إلى العشر الأقل يسرا؛ وهو ما يعادل فجوة تصل إلى 17,2.
وأمام هذه الأرقام، تبلغ الفوارق في الدخل حسب مؤشر “جيني”، وهو مقياس لرصد عدم المساواة في الدخل، حوالي 46.4 في المائة، وهي نسبة اعتبرتها المندوبية مرتفعة وتفوق العتبة المسموح بها اجتماعيا (42 في المائة).
-عوامل مؤثرة على الدخل
يتأثر مستوى الدخل بمجموعة من العوامل، لا سيما الخصائص السوسيواقتصادية لرب الأسرة. وتذكر المندوبية من ضمنها سن رب الأسرة، حيث يتضاعف متوسط الدخل الشهري عند التقاعد لينتقل من 4200 درهم لفئة “15-24” سنة إلى 8600 درهم لفئة 65 سنة فما فوق.
كما يؤثر جنس رب الأسرة على مستوى الدخل، حيث يصل متوسطه إلى 5500 درهم بالنسبة إلى الأسر التي ترأسها امرأة مقابل 8200 درهم بالنسبة إلى الأسر المسيرة من طرف رجال، إضافة إلى المستوى الدراسي حيث يصل مستوى الدخل الشهري للأسر التي أربابها دون أي مستوى دراسي إلى 6458 درهما، مقابل 14.281 درهما لذوي المستوى الدراسي العالي.
– دعوات للحكومة من أجل الدفاع على القدرة الشرائية
دعا عدد من الخبراء في الاقتصاد، الحكومة المغربية من إستغلال الإيرادات المالية القياسية المحققة في 2022 لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل ظرفية استثنائية تتميز بارتفاع الأسعار.
كما كشف هؤلاء أن التحويلات لمغاربة العالم في 2022 تجاوزت 109 مليارات درهم (10.5 مليارات دولار)، وارتفعت مداخيل السياحة، وحقق الفوسفاط وبيع السيارات مداخيل قياسية مهمة .
وحققت خزينة الدولة زيادة في حدود 230 مليار درهم عما حققته في 2021، وهو ما يمكن لو تم استغلال هذه المداخيل في تحسين القدرة الشرائية.
لكن التساؤل السائد اليوم ، هو هل استفاد المغاربة من هذا المبلغ الإضافي الكبير؟؟.. كان بإمكان الحكومة أن تدبر هذه الفوائض الكبيرة الاستثنائية للقيام بإجراءات اقتصادية ومالية واجتماعية استثنائية”.
مؤخرا قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال اجتماع المجلس الحكومي، إنّ الإجراءات، التي اتخذتها الحكومة لضمان تزويد الأسواق ومواصلتها دعم أسعار النقل، من شأنها أن تساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية في الأسابيع المقبلة.
كما أن هؤلاء الخبراء والمحللين، يرون أن الحرب في أوكرانيا قد تقدم فرصا للمغرب عوض أن تكون لها تداعيات سلبية فقط، فبإمكان المملكة، لو أنّ حكومتها أحسنت التعامل مع الملف الاقتصادي للحرب، العمل على تعويض بعض الشركات الروسية (والأوكرانية بدرجة أقل) في مبيعاتها للغرب وتعاملها معه”.
وكان يمكن للمغرب أن يستفيد من تحويل بعض الشركات لمكان إنتاجها ومقارها الاجتماعية من روسيا وأوكرانيا إلى بلد محايد”.
كما أن الحكومة مدعوة اليوم الى ضرورة خلق التوازن في السوق الداخلية عبر تقليص حجم التصدير الى السوق الخارجية، اعتبارا أن العملية أثرت على مستوى العرض في السوق الداخلية مما تسبب في ارتفاع الاسعار.