أخر الاخبار

مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. مريم باني في الاستثمار والسياسة والعمل الجمعوي

مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. مريم باني في الاستثمار والسياسة والعمل الجمعوي

 مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. مريم باني في الاستثمار والسياسة والعمل الجمعوي

عاشت مريم باني أول عقدين من عمرها بين الإيقاع السريع الذي يمليه التواجد في مدينة كبرى من حجم الدار البيضاء، زيادة على ممارسات وتقاليد ناهلة من التعابير الثقافية الحسانية بحكم حفاظ أسرتها على الجذور المغروسة في تراب الصحراء المغربية، وبالتالي خبرت كيفية الجمع بين محددات هوياتية متناقضة قبل الهجرة إلى منطقة اسكندنافيا شمال القارة الأوروبية.

بعد مرور 22 سنة على وصولها أول مرة إلى السويد، تلوح باني في الفترة الحالية بصفات متعددة تجمع بين مديرة مقاولة متوسطة على الصعيد المهني، وناشطة مدنية وسياسية على جبهات مختلفة على مستوى الأداء التطوعي، لتغدو واحدة من النساء اللواتي يقدمن صورة إيجابية لعطاءات ذوي الأصل المغربي في المجتمع السويدي.

بين الصحراء والبيضاء
تنحدر مريم باني، المزدادة سنة 1980، من مدينة العيون في الصحراء المغربية، ورغم نشأتها في الدار البيضاء إلا أن أسرتها حرصت على تمكينها من قسط وافر من عادات وتقاليد الثقافة الحسانية، بينما الحضور في العاصمة الاقتصادية تكلف بصقل مهاراتها حتى تتحصل على ما يتيح العيش بسلاسة في أكبر مدن المملكة.

تقول مريم: “كبرت في الدار البيضاء دون انسلاخ عن الجذور الضاربة في أعماق الأقاليم الجنوبية، بينما الدراسة مرت بلا مشاكل منذ أولى الحصص التعليمية في ابتدائية محمد الخامس إلى غاية الحصول على شهادة البكالوريا من مؤسسة الخنساء”.

أقبلت باني على التعليم العالي بولوج جامعة الحسن الثاني والتخصص في العلوم الاقتصادية، مسايرة ذلك بتقوية مستواها في اللغة الإنجليزية وسط المركز اللغوي الأمريكي. وبحلول سنة 2000، قررت الانخراط في تجربة هجرة قادتها إلى الاستقرار في مملكة السويد.

تحول مفاجئ
تؤكد مريم باني أن فكرة الهجرة لم تكن حاضرة لديها ولا عند أي من معارفها قبل إنهاء طور التعليم الثانوي والحصول على شهادة الباكالوريا، وتشدد على أن التركيز كان محصورا، بشكل تام، على ختم المواسم الدراسية بنجاحات متتالية، دون أن يجري ربط المستقبل بالميل إلى فرص موجودة خارج المغرب.

وتضيف في هذا الإطار: “كانت هناك أفكار متشابكة بخصوص المسار الدراسي والمبتغى المهني، لكن الطفرة جاءت بكيفية مفاجئة نتيجة استقرار أخ لي على التراب السويدي، ونتجت عن تمكيني من صورة واضحة لكيفية العيش في هذه البلاد الاسكندنافية، والوقوف على تجارب ناجحة بإمكانيات متلائمة مع تلك التي أتوفر عليها”.

قصدت باني السويد من أجل زيارة أخيها والتجوال السياحي في مناطق بهذه البلاد الأوروبية، ثم تملكها الإعجاب بالمجتمع السويدي والدينامية التي يتسم بها في مجالات شتى، لتقرر القيام بما يلزم من أجل الانتقال إلى العيش هناك وخوض التجربة برغبة في البصم على مسار جيد.

الاقتصاد والترجمة
تنفي الوافدة على السويد من مدينة الدار البيضاء أن تكون قد واجهات صعوبات تستحق الذكر في فضاء استقرارها خارج المغرب، معتبرة أن الهجرة إلى السويد في سن العشرين قد جعلتها تتعامل مع ما يلاقيها بحيوية شبابية، وإيلاء تعلم اللغة السويدية أولوية بالغة لتسهيل التواصل مع المحيطين بها.

وتورد مريم باني: “بالإقبال على العمل ودراسة اللغة في الفترة الزمنية نفسها، توطد الاحتكاك بالمجتمع السويدي على واجهات شتى، ثم حرصت على معادلة شهادة الباكالوريا التي تحصلت عليها في المغرب من أجل شق الطريق نحو التعليم الجامعي بما يلائم قدراتي ويساير الجيل الجديد من طموحاتي”.

عملت باني على دراسة العلوم الاقتصادية في السويد، ملتزمة بخياراتها الجامعية وقت وجودها في المغرب، ضابطة حاجيات التكوين في ميدان التسيير والتدبير، ثم خصصت 3 سنوات من عمرها في دراسة الترجمة من وإلى اللغات العربية والفرنسية والسويدية، لتحصل على ديبلومين في كلا المجالين.

حضور في الاستثمار
أفلحت مريم باني، عند اقترابها من التخرج الجمعي، في التقدم بعرض لابتياع مقاولة صغيرة ناشطة في ميدان النقل، لاجئة إلى فرص التمويل المتاحة في السويد من أجل الحصول على الشركة المعروضة للبيع، وبذلك أقبلت على إطلاق تجربة شخصية ومهنية تحيط بها طموحات استثمارية مراهنة على التطور دوما.

وتعلق المنتمية إلى صف “مغاربة اسكندنافيا” قائلة: “كنت أميل دوما إلى التواجد في القطاع الخاص، وما زلت على النهج نفسه إلى اليوم، لذلك رأيت في التواجد ضمن قطاع النقل، بمختلف أصنافه ببلدية كارلستاد، فرصة تناسب قدراتي وتلائم رهاناتي من أجل الارتقاء في المجتمع السويدي، ولم أندم على هذا الاختيار”.

نمت شركة باني للنقل لتصير من بين المقاولات المتوسطة ذات الخدمات الجيدة، وقد حققت تقدما مثيرا للانتباه في المنافسة على الصفقات العمومية أيضا، بينما ما تزال مريم ترى أن بمقدورها دفع أداء هذا الاستثمار إلى النمو أكثر، وتمديد الاشتغالات على الصعيد الوطني في السويد، ومنه إلى عموم منطقة اسكندنافيا، ونيل إشعاع عالمي في مرحلة موالية.

قضايا عادلة
بحكم الجذور العائلية المغروسة في الصحراء المغربية، والنشأة في بيئة بيضاوية حبلى بالتعابير الثقافية للأقاليم الجنوبية من تراب الوطن الأم، عملت مريم باني على تأسيس جمعية الدفاع عن المحتجزين في تندوف، والمساهمة في الترافع عن عدالة قضية الوحدة الترابية للمملكة من خلال التصدي لمناورات المروجين لادعاءات انفصالية.

“تقوم هذه الجمعية بأنشطة مختلفة، يتجلى أبرزها في تنظيم لقاءات بين سياسيين مغاربة وسويديين في كل الفترات التي تحتاج توضيحات لرؤى الطرفين، ويجري ذلك على تراب البلدين معا عقب ما يقتضي التحضير من إرساء لأرضيات النقاش، من جهة، وتوفير الحاجيات اللوجستيكية والتنظيمية، من جهة ثانية”، تعلن ذات الأصل المغربي.

من جهة أخرى؛ تتولى باني رئاسة جمعية شمال إفريقيا في السويد، وهو إطار مدني يشتغل على العناية بالمرأة والطفولة من خلال التركيز على التدخلات التي تخدم اندماج الأسر ذات الأصول الأجنبية في بيئة العيش الدنماركية، وتقوم بالعمل التوعوي المرتكز على التبسيط كي يتحقق فهم المطلوب وتجاوز أي نوع من التعثرات.

السياسة بنكهة بيئية
تعد مريم باني ناشطة سياسية أيضا؛ إذ تنتمي إلى صفوف حزب البيئة السويدي، وتتولى رئاسة اللجنة الثقافية على مستوى بلدية “كالستاد” منذ سنة 2019، كما تحرص من هذا الموقع على إيلاء العناية لكل التساؤلات التي تهم السياسات العمومية في المجال البيئي.

وتعتبر المستقرة في السويد منذ قرابة 22 سنة أن انشغالها بالقضايا البيئة لا يبقى مرتبطا بالعمل السياسي الذي تقوم به من منطلقات تشاركية مع قوى المجتمع المدني، بل ترتقي به إلى مستوى يجعله متصلا بفضاءات كثيرة، من الأسرة إلى الحي والمدينة، وكل اليومي، الفردي والجماعي.

تريد مريم أن يصير الشق السياسي والمدني من مسارها في مملكة السويد ملازما لفعالية أكبر على أرض الميدان، رغم أدائها المهني الذي يحتاج بدوره إلى توفير الكثير من الوقت والجهد، ولأجل ذلك تحاول ملامسة قضايا مختلفة تناسب قناعاتها، وتستحضر أفكارا جديدة بإعمال النقد الذاتي لأدائها المتشعب.

الاستثمار في الرقمنة
تنصح مريم باني الشباب المقبل على الهجرة بالإقبال على العمل، ولو بدوام الجزئي، مع الالتزام بالانخراط في برامج دراسية تصقل مهاراتهم، وتعزز مكتسباتهم، وتساير طموحاتهم في عالم يتغير على الدوام بسرعة كبيرة جدا، رافضة مسايرة الصورة النمطية التي تكتفي بجعل النجاح مرادفا للتواجد في البلدان المتقدمة فقط.

وترى الفاعلة الاقتصادية والسياسية والجمعوية نفسها أن الوعي بالفرص المتاحة عبر الثورة الرقمية يمكن له أن يفتح مجموعة من الأبواب التي تفضي إلى اشتغالات بديلة، منها ما يحقق مكاسب مالية عالية دون الحاجة إلى مغادرة فضاء الاستقرار ولا البحث عن كيفية توفير رساميل ضخمة.

“أؤكد، لمن يحتاج إلى ذلك، أن الخسارة قد تكون مفيدة في الكثير من الحالات لأنها ترشد من تكبدها إلى الطريق الملائمة لقدراته على الكسب، وتوالي التجارب لا يجب أن يجر الناس إلى الغرق في اليأس، إنما التعلم الحقيقي يحتاج محطات سقوط حتى تتم استعادة التوازن ثم الوقوف مجددا بثبات”، تختم مريم باني.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-