حكومة المؤثرين..
محمد لعبيدي
أولا ،لابد وأن نلقي نظرة عابرة، حول ظاهرة ما يسمى المؤثرين، لئلا لا يكون لنا حكم قيمي مسبق حول هذه الفئة، التي تشكل ظاهرة في زمن الجيل الخامس، الذي نشأ على لغة النقرات، والإعجاب، و بالتعبير أدق التداول الإلكتروني بدل التواصل الاجتماعي، لان الاسم لا علاقة له بالمسمى.
المؤثرون Influencers في مواقع التواصل الاجتماعي، هم فئات عريضة من المجتمع، ساهم ‘البوز’ في منحها الشهرة الكافية، لتربع على قائمة المؤثرين، أولئك الذين يملكون قاعدة كبيرة من المتابعين، أو ما يعرف في لغة هذا الوسط ب k أي لغات الآلاف، ولنكن صادقين فإنه لم يسبق للإنسان من الماضي حشد هذا الكامل الهائل من الجمهور، بوسائل بسيطة وغير مكلفة.
في لغة الاقتصاد والتسويق، الجمهور، يجسد مجموعة مفترضة من الزبناء، وفي تاريخ الاقتصاد، كان صعبا جدا الوصول إلى سوق كبير، يحتوي على ملايير الزبناء المحتملين، كما استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي القيام بذلك.
في الاقتصاد كذلك، يقال إذ وجدت شيئا بالمجان، فأعلمك انك البضاعة، إذ فالعلاقة هنا تجارية بالأساس، وهو ما يترجم الرغبة في الربح، لدى جميع الأطراف، لذلك صار اليوم الجميع يجري وراء الشهرة، لأن هذه الأخيرة، طريق مختصر لجني المال وهو ما يفسر كذلك هذه الهستريا التي يعيشها المجتمع، حيث صار كل شيء ممكن من أجل الشهرة، ألم يقل دوستويفسكي”نعم إننا نستطيع عند اللزوم أن نخنق حتى إحساسنا الأخلاقي! إننا نستطيع عند اللزوم أن نحمل إلى السوق كل شيء فنبيعه فيه”، وهو الأمر الذي يحدث اليوم، كل شيء مباح من اجل الشهرة وحصد أكبر عدد ممكن من نقرات الإعجاب والمشاهدة، روتيني اليومي وغيرها من المظاهر التواصلية، التي يشمئز منه المجتمع ،ويندد بها، المؤثر يستغل شهرته عبر المشاركة في الحملات الدعائية لصالح منتجات معينة، في غياب أي تصور حول تداعيات ما يعرضونه، إذ ما كان سيؤثر بصورة سلبية او إيجابية على المجتمع.
المؤثرين، كان بالأمس يكنى في لغتنا الدارجة، ب “البرّاح”، الذي ينقل الأخبار الجديدة بل وحتى إجراءات الحكام، غير أن غياب أية ضوابط لما يقوم به المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في انتشار الإشاعة او الفايك نيوز، لما توفره التكنولوجيا من تطبيقات، تيسر عملية فبركة الصور والأحداث والأخبار، وبالتالي فإن ما يقوم به المؤثرون، يبقى غير ذي مصداقية، لأن غياب الضوابط وكذلك الفراغ التشريعي في هذا الصدد، يجعل من قوة المؤثرين التواصلية، تتخذ أشكال سلبية على المجتمع.
لجوء الحكومة إلى الاستعانة ببعض هذه الفئات، هو سلاح ذو حدين، يحتمل نتائج تتناقض في ذاتها، لأنه من المقبول أن تستعين الشركات، وبائعي مواد التجميل بهذه الفئة، لترويج بضائعها، فما يهمها في نهاية المطاف هو الربح، بيد أن الحكومة والمؤسسات الحكومية، يغيب عنها الوازع الربحي، وقنوات تواصلها، كانت معروفة على الدوام، الإعلام الحكومي، الإعلام والصحافة المستقلين والإشهار، لأن عمل الحكومة ليست مسحوقا تجميليا ،ولا حجزات في فنادق معينة، وإنما عمل الحكومة، أكثر جدية ومسؤولية.
الحكومة خلقت البوز، باستضافتها لهؤلاء المؤثرين لبسط وشرح برنامج حكومي معين، يرمي إلى تقليص معدلات البطالة ،غير أن نوعية المؤثرين، طغت على البرنامج وعن فحواه، وأدخلت الحكومة في صراع قوي مع الصحافة والإعلام، التي تدافع عن وجودها وعن دورها في نشر الأخبار بكل موضوعية، بعيدا عن لغة البوز، التي غالبا ما يمر عليها المجتمع مرور الكرام في انتظار بوز جديد.
الحكومة عوض الاستعانة بهؤلاء المؤثرين، والاعتماد عليهم كليا، وتخصيص ميزانية ضخمة ،كان لزاما عليها أن تتواصل مؤسساتيا، لأن المواطن لا يثق في التكنولوجيا، وتوفر بذلك ملايين الدراهم من ميزانية الدولة، و الأجدر بها ان تملأ الفراغ التشريعي الذي يعرفه هذا المجال، أقله هل تستفيد الدولة من أرباح هؤلاء المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تدفع الصحف والقنوات، ملايين الضرائب.
taroudantpress - جريدة تارودانت بـريس الإلكترونية