يونس جنوحي يكتب : «أسلحة» جامعية «حادّة»
ونحن نوشك على توديع رمضان، بدا واضحا أن بعض الطلبة الجامعيين، يا حسرة، في جامعة أكادير، كانوا يستعدون للاحتفال بعيد الفطر على طريقة عيد الأضحى. لكن بدل أن يجهزوا أدوات نحر الأضاحي كما يفعل بقية الناس، جهزوا «المناجل» والشفرات التي يستعملها الفلاحون لتشذيب الأشجار وقطع القصب، لكي «يقنعوا» بها الفصائل المعارضة لهم داخل «الحرم الجامعي».
الحمد لله أن هناك أمنا يسهر على حماية المغاربة من هذه التصرفات الرعناء والطائشة. ورغم أنها ليست ظاهرة جديدة، إلا أن كمية المحجوزات تؤكد فعلا أن هذه الفصائل الطلابية لم يعد بينها وبين أصحاب السوابق الذين يثيرون الشغب بعد مباريات الكرة، أي فرق. والأكيد أنهم كانوا يخططون لمجزرة حقيقية في الحرم الجامعي.
هناك من يصف هذه التصرفات التي يقدم عليها المنتمون للفصائل الطلابية، بـ«طيش» مرحلة النضال. لكنها في الحقيقة جانب مظلم يتجنب السياسيون الحديث عنه، رغم أنهم فقدوا رفاقا لهم بسبب هذه الحزازات التي تُستعمل فيها الأسلحة البيضاء في حرم الجامعة. القاعديون يكرهون الإسلاميين، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم في معركة لإثبات وجودهم في الساحة. وفصائل أخرى تظهر وتختفي، حسب الطلب على ضرورة تأجيل الامتحانات، أو مطالب بصرف المنح. وفي الوقت الذي ينخرط فيه الطلبة في حضور المحاضرات داخل الكليات، يكون هؤلاء المنتمون إلى الفصائل يتسكعون في أروقة الجامعة، ويحولون رمزية النضال الجامعي إلى ما يشبه نوعا من «السياحة الجامعية».
في سنة 2007 وقعت أحداث دامية في جامعة ابن زهر. هذا الأخير الذي لو علم أن جامعة بهذا الحجم سوف تحمل اسمه وتقع داخل أسوارها مثل هذه الممارسات، لفضل الموت بهدوء، دون أن يترك مؤلفا واحدا يؤرخ لنبوغه الفكري والعلمي. وبسبب تلك الأحداث العنيفة فقدت أسر كثيرة أفرادا منها، كانت تعول عليهم لكي يصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع. مات من مات، وبقي من بقي، ولا أحد في النهاية يلتفت إلى الذين أزهقت أرواحهم، بسبب صراعات الفصائل الطلابية.
بعض الطلبة المتحدرين من الأقاليم الصحراوية يتم إغراؤهم بالمال، لكي يحملوا أعلام البوليساريو ويطالبوا باستقلال الصحراء، رغم أنهم كانوا يأتون بإرادتهم إلى الجامعات، ويقفون في الطوابير لاستخراج البطاقة الوطنية. وفي الأخير يتضح أن مواقفهم داخل الجامعة تُبنى على أساس المصلحة، واللهث وراء وعود كاذبة تقدم لهم من طرف الانفصاليين.
هؤلاء الطلبة يسقطون في أخطاء التجييش والأفكار المتطرفة، التي ما زالت تتجول مع القطط المتخلى عنها في أركان وزوايا الجامعات المغربية.
نحن اليوم في حاجة إلى مصلحة جديدة تُلحق بوزارة التعليم، تماما مثل ما كان الوضع عليه سنة 1968. إذ بسبب الأحداث التي عرفتها الحركة الطلابية في فرنسا تلك السنة، والتي خلفت أضرارا كبيرة في الأرواح والمنشآت، قرر الملك الراحل الحسن الثاني وقتها، في خطابه بمناسبة عيد ميلاده، أن يتم إحداث وزارة للشؤون الثقافية لكي تنضاف إلى الوزارات التعليمية الأخرى، يكون الغرض منها أساسا الاطلاع على مطالب الشباب المغربي، وعين الملك على رأس تلك الوزارة شخصا معروفا في الأوساط العلمية، ولم يكن غير الوزير محمد الفاسي، الذي كان أول وزيرا للتعليم في المغرب بعد الاستقلال. تقرر أن يكون النشاط الأول لتلك الوزارة، إنعاش الثقافة الوطنية وإحداث حركة فكرية وأدبية لتأطير الطلبة.
هناك اليوم من لا يعرف ما إن كان كارل ماركس فيلسوفا، أو اسما لماركة للساعات، لكنه منخرط بقوة في الفصائل الطلابية. وأغلب هؤلاء الذين يسيئون للحركة الطلابية ورموزها، بكل تاريخها النضالي الذي صنع محطات سياسية بارزة في تاريخ المغرب المعاصر، هم أول من ينزل اليوم في المظاهرات للمطالبة بتأجيل امتحان في مادة التواصل مثلا. وأغلبهم أيضا عاجزون تماما عن صياغة طلب خطي بلغة سليمة خالية من الأخطاء، سواء باللغة العربية أو الفرنسية. ورغم ذلك فإنهم يتحدثون اليوم عن النضال، ليس بالفكرة، وإنما بـ«الشفرة».
Taroudantpress تارودانت بريس - Taroudant 24