عزل الأئمة والخطباء المغاربة .. وزارة غاضبة أم وشايات كاذبة؟
سنة 2016، وفي خضمّ تصاعد موجة الاحتجاجات في منطقة الريف، خرج خطيب معروف بمدينة سلا، يدعى يحيى المدغري، عما يقتضيه دليل الإمام والخطيب والواعظ بتهجمه على سكان مدينة الحسيمة، من على منبره، بعدما تحدث عن الزلزال الذي ضرب مدن الشمال، مرجعاً ذلك إلى عقاب من الله على تعاطي ساكنة الريف للمخدرات، لتقرر وزارة الأوقاف بعد ذلك توقيفه كإجراء احترازي لإخماد غضب الريفيين.
وقبل ذلك بشهور، وبالضبط خلال الانتخابات الجماعية التي شهدها المغرب في شتنبر 2015، سيلقى عمر العروش، الخطيب بمسجد "الحاج عبد الرحمان" بالحي المحمدي في الدار البيضاء، نفس مصير "خطيب سلا"، بعدما قررت وزارة الأوقاف توقيفه، إثر شكاية وضعتها أحزاب فيدرالية اليسار ضده، تتهمه فيها بـ"استهداف اليسار من خلال دعوة الناس إلى عدم التصويت له".
مسلسل توقيف الأئمة والخطباء من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لم يقف عند هذا الحد، إذ جرى بحر الأسبوع الماضي الاستغناء عن خدمة مصطفى الموهري، خطيب مسجد إبراهيم الخليل بمدينة سلا، إثر تطرقه في خطبة يوم الجمعة الماضي لـ"غلاء الأسعار والاحتكار التجاري"، وهو ما اعتبرته وزارة "التوفيق" خروجاً عن ضوابط "دليل الإمام والخطيب".
وفيما تُبرر الوزارة الوصية على تنظيم قطاع الأئمة والوعاظ حملات التوقيف التي تطال بين الفينة والأخرى العديد من الخطباء بعدم التزامهم بدليل الإمام والخطيب، تطرح عدة تساؤلات بخصوص حدود تدخل وزارة "التوفيق" في ضبط عمل الأئمة، خاصة مع توالي قرارات العزل مؤخراً.
المسجد كفضاء للاحتجاج
الباحث المغربي المختص في الفكر الإسلامي إدريس الكنبوري يعتبر أن "عزل الخطباء من طرف الوزارة تبرّره بعدم الانضباط، فيما يرى البعض في هذا الأمر شططاً".
ويضيف الباحث: "لكن القضية ليست في توقيف الخطباء الذين لا يخضعون للضوابط، بل في الشطط في استعمال القانون وعدم وضوح الحدود بين ما يجوز وما لا يجوز"، وزاد: "النظرة التقليدية مازالت تهيمن على دور المسجد والخطيب، ولذلك نرى أن الكثيرين لازالوا يرفضون عزل الخطباء مهما كان الأمر، لأن الخطيب عند هؤلاء له كامل الحرية في أن يقول ما يشاء وأن يستعمل المنبر كما يريد؛ وهذا غير صحيح".
ويرفض الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أن تتحول المساجد إلى منابر مفتوحة يقول فيها الخطباء ما يشاؤون، "لأن المسجد يجب أن يبقى محايداً، ولأن توظيف المنبر يمكن أن يرى كل طرف أن له فيه نصيبا، وهكذا نصبح أمام مساجد ذات ألوان سياسية"، على حد قوله.
وعن تحول المسجد إلى فضاء احتجاجي رمزي يقول الكنبوري: "هناك قنوات حديثة للاحتجاج والتعبير عن الرأي غير المسجد، لكن المشكلة أن الدولة أفرغت هذه القنوات من أدوارها، ولذلك يعود الناس دائما إلى المسجد؛ فالقضية ليست أن نسمح بالحرية للخطيب في المسجد بل أن نسمح بالحرية في الفضاء العام بحيث لا يحتاج الناس إلى المسجد للاحتجاج".
بوق للدولة
أما رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، فيدعو إلى التوقف عند العلاقة بين القصر والقيمين الدينيين، والتي تحكمها مؤسسة أمير المؤمنين، مشيرا إلى أنه "من خلال هذه العلاقة أصبحت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة سيادية، لا يخضع منصب الوزير فيها للتباري السياسي".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن واقع هذه الفئة من الناحية المهنية مزر بامتياز، فهم لا يتقاضون سوى تعويضات نظير تكليفهم بمهام الخطبة أو الإمامة أو الأذان أو النظافة.
ويرى الفاعل الحقوقي أن الدولة تريد من الخطباء أن يكونوا بوقاً حصرياً لها ولتوجهاتها، ولخطها السياسي والإيديولوجي، والمفاهيمي، وهذا الأسلوب لم يعد مقبولاً لدى غالبية الخطباء، خاصة فئة الشباب منهم، لذلك نجد مؤخرا إعفاءات كثيرة ومسترسلة في صفوف الخطباء، وحتى الأئمة.
وأكمل الخضري: "نلاحظ أن خطباء المساجد عموماً أصبحوا بعيدين عن التحريض، ورغم ذلك يتعرضون للتوقيف لأتفه الأسباب..وقد تكون مجرد وشاية كيدية، ولا يستطيع لا القانون ولا القضاء استرجاع حقوقهم إذا هضمت من طرف وزارة الأوقاف، وهذا من أسوأ تجليات انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة".
ويمضي الحقوقي في تحليله قائلا إن "العديد من الخطباء يذهبون ضحية وشايات كاذبة مثل ما جرى مؤخرا لإمام بسلا، والأدهى من ذلك تقطع عليهم أرزاقهم العليلة أصلا، ويصبحون هم وذووهم في وضع الفاقة"، قبل أن يختم تصريحه قائلا: "إنها منظومة اجتماعية مفزعة من الناحية الحقوقية ومن ناحية الكرامة بالأساس".